جرنال الوفد الامتحان محنة أم تقييم شهر 06/2003
العملية التعليمية أساسًا يجب أن تهدف إلى استكشاف وتنمية قدرات الطفل ومواهبه وهى عملية تعليمية وتقييمية مستمرة حيث تهدف إلى اكتشاف مواهب الأطفال وقدراتهم الذهنية وأنماط التفكير لديهم ومقدرتهم على التعلم، كما تهدف إلى اكسابهم القدرة على الرؤية النقدية وصولا إلى الإبداع مع متابعة ذلك بالتقييم الدورى المستمر (الامتحان) للتعرف على جوانب القوة والضعف فى قدرات الطفل وشخصيته من أجل تنمية ودعم ما هو ايجابى وتصحيح مسار الطفل وتدعيمه فى نقاط ضعفه.
هذا هو التعليم المفترض والامتحان المتوقع، لكن أين هذا من المحنة المتكررة كل عام فى بيوتنا المصرية؟
إن الامتحان (المحنة) لدينا يمثل ضغطا نفسياً شديداً ومتزايداً بصورة مبالغ فيها، ومع الأسف فإن هذه الضغوط تزداد بصورة مضطردة ولعل هذا يرجع إلى عاملين أساسين:
أولهما، أن الامتحان فى مصر يقيس- رغم كل التغيرات والاشارات إلى تطوير التعليم- القدرة على الحفظ والاستيعاب مع اهمال- يبدو معتمداً – لكافة قدرات الطفل خاصة تلك الإبداعية، ويعتبر ذلك خللاً أساسياً فى مفهوم العملية التعليمية.
ورغم كل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن مفهوم المجتمع ومفهوم الجهات المختصة للطالب المتفوق هو ذلك الطالب الى يحصد أكبر عدد ممكن من الدرجات ليلتحق بكليات القمة (الطب- الهندسة)، رغم أن الالتحاق بهذه الكليات أو الحصول على هذه الدراجات قد لا يمثل فى ذاته تفوقاً ابداعياً، كما قد لا يشير إلى قدرة انجازية مستقبلية، وهذا ما اثبته التاريخ كثيراً.
ثانيهما: إن الأهل فى ذاتهم يمثلون شدة ضاغطة على الطفل وعلى الطالب فهم يرسلون رسالة واضحة إلى الطالب مفادها أن الامتحان هو “أكون أو لا أكون” وبالتالى يقع الطفل فى مأزقين ما بين ما ينتظره الأهل وما بين تحقيق ذاته من خلال عملية واحدة وهى استرجاع ما حفظه ليحصد أكثر الدرجات…..!!
كذلك فإن الكثير من الآباء يصرون على أن يصبح ابناؤهم من المتفوقين (الأول خاصة) دون النظر إلى قدرة الطفل وصعوباته أو أنهم يطلبون منه انجاز ما لم يستطيعوا هم انجازه فيقع الطالب فى حيرة ما بين رغباته ورغباتهم وورطة وزارة التربية والتعليم.
إن الامتحان يجب أن يكون قياساً لمجموعة من القدرات الذهنية والابداعية والحركية على مدار سنوات متعددة، فهو كالسلم الذى يتم الصعود إليه درجة درجة عن طريق الفهم والقياسات والاستنتجات المطلوبة لكل درجة.
أما أن يتمحور الامتحان فى قدرة واحدة (تعلمها جميعاً) يتم قياسها لما يزيد على ثلاثين مليون طفل وشاب، وأن تقاس هذه القدرة فى زمن محدد يسوده التوتر والضغط النفسى هذا ليس امتحانا لاجتياز مرحلة دراسية بقدر ما هو عبور لخط النار.
هو إذن ليس تقييماً ولكنه محنه يجب عبورها أطفالاً وآباءً؛ كان الله فى عوننا جميعاً.
وأخيرا لابد من الإشارة إلى أن نظام الامتحانات القائم وتلك المحنة المتكررة بشكل دورى تعتبر سبباً أو عاملاً مساعداً فى ظهور المشكلات والأعراض النفسية بين الأطفال مثل القلق والاكتئاب والاضطرابات السلوكية.
إن ما نلاحظه من سلوكيات نصفها بالغرابة بين الأطفال قد يكون مرجعها إلى رفضهم ما يعانونه من ضغوط قد يكون منشأها نظام التعليم والامتحان.
مى الرخاوى
Ph.D. Child Psychology