صرخة اللغة العربية
جريدة الوفد
نشرت بتاريخ 18 / 2 / 2001
الصفحة السابعة آراء حره
تعودنا منذ صغرنا أن تكون مادة ‘اللغة العربية’ هى مادة القراءة والمطالعة وهى مادة تكوين اللغة والتعرف على جمالها، من خلالها يحب الأطفال لغتهم ويتعرفون عليها. كنا صغارا نحب كتبنا ونقرءها مرة واثنتين وثلاث كانت الكتب تحوى صورا طريفة – رغم بساطتها – وتحت الصورة سطران بسيطان بخط كبير (جدا) وواضح إلى أقصى درجة، كما كان الكتاب صغيرا فى حجم أيدينا، ومن هنا أحببنا مادة اللغة العربية، بل عشقناها، أحببنا القراءة والكتابة عن طريق تعلم الحروف البسيطة والتعليم السهل المتدرج ثم بدأنا فى تعلم النحو فى السنوات التالية. وكما أحببنا اللغة والقراءة أحببنا النحو فقد تم تقديمه بوضوح وببساطة قريبة لتفكيرنا وبهذا الوضوح وبهذه البساطة أصبحنا مدرسين وأطباء ومهندسين وأخصائيين فى شتى المجالات، وبهذه اللغة التى اكتسبناها صغارا استطعنا الحصول على أعلى الدرجات، ولم نكن بحاجة إلى أية معلومات أخرى معقدة حيث كان اكتساب هذه المعلومات من اختصاص المواد الأكاديمية الأخرى مثل العلوم والدراسات (التاريخ والجغرافيا حينئذ) وقد كانت جميعها تصاغ بنفس الأسلوب المبسط الجميل وكنا نتلهف لتحصيلها، أما عن القصة الملحقة باللغة العربية فيصعب على وصفها من جمالها وسلاستها.
أما فى أيامنا الحالية فقد كره أطفالنا القراءة والكتابة حيث أصبح الكتاب أكبر من أيديهم الصغيرة وعبء على عقولهم النامية، أصبحت اللغة العربية هى مادة العلوم ومادة الدراسات، ومن أمثلة ذلك نجد أن الطفل فى الصف الثانى الابتدائي، فى الجزء الدراسى الأول يدرس الحواس الخمس وأهميتها وعليه أن يقوم بتسميعها فى الامتحانات أو فى التدريبات التى تلى الدرس (وهو دور مادة العلوم) أما فى الصف الرابع الإبتدائى الجزء الدراسى الثانى فعلى الطفل أن ‘يحفظ’ فى أحد الدروس جو مصر والحضارات التى قامت بها والبحار التى تطل عليها وكيفية تنشيط السياحة ثم صفات شعب مصر . . . !! (وهو بطبيعة الحال دور مادة الدراسات) أما ما يثير العجب فهو الدرس الثالث لنفس المستوى وهو باسم انتبه للتلوث حيث يجب على الطفل أن يفهم المطر الحمضى وأن يحفظ أنواع التلوث البصرى والسمعى وأن يقترح وسائل التغلب على هذه المظاهر. . هذه هى مادة اللغة العربية التى يدرسها أطفالنا فى المرحلة الإبتدائية – ناهيك عن المرحلة الإعدادية – وإذا أردنا ذكر جميع الأمثلة التى ترد فى الكتب الدراسية لمناهج اللغة العربية لن يكفينا مقال أو اثنين بل نحن بحاجة إلى وضع معجم نصنف فيه المواد العلمية من المواد التاريخية من المواد الجغرافية ولا أدرى إن كان واضعوا هذه المناهج على علم بالفرق بين هذه المواد وبين الهدف من وجود مادة لغة عربية فى المنهج الدراسى !!!
وأخيرا فإن النتيجة التى ظهرت علينا من جراء هذه المناهج الدراسية هى جيل يكره الكتب لا يعرف قواعد اللغة العربية، يجهل جمال لغته، ويفتقر بشدة إلى القدرة على الكتابة السليمة، اللهم بخلاف من استطاعت أسرهم إنقاذهم ووجهتهم إلى لغتهم بمجهوداتها الشخصية وأسلوبها الخاص.
أما عن خطر ابتعاد الطفل والمراهق عن لغته وتقمصه اللغة الأجنبية خاصة فى المدارس الخاصة، فهى ليست ‘عقدة الخواجة’ وانما هو حبا فى اللغة الأجنبية وتجنبا للغة العربية، ودعونا نأخذ مثالين فقط لذلك، ففى الصف الأول الإبتدائى لاحدى المدارس الخاصة نجد اللغة الأجنبية فى المادة الخاصة بها تعطى درسا عن مطعم العصافير، وفى الدرس نجد صورة لفصل الشتاء ويقول الدرس أن الشتاء أتي، الجو بارد، تفكر الفتاة (صوفي) فى أن العصافير لا يوجد عندها طعام وتسأل صديقها جوليان عن كيفية اعطائهم الطعام وينتهى الدرس بفكرة عمل’ مطعم العصافير. ولنلاحظ هنا عملية الابداع كيف تم تنميتها عند الأطفال مع سلاسة الأفكار وطرافتها. ثم فى التدريبات نجدهم يدربون الأطفال على كيفية عمل مطعم للأطفال ثم يعلمون الطفل شكل أحد الحروف وكيفية نطقه مع الحرف التالى له.. هذه هى التدريبات أما فى مادة اللغة العربية لنفس الصف الأول الابتدائى فنجد – مثلا – درس ‘فى الحقل’ حيث ‘شاهدنا نبات القمح .. الجذر يمتص الغذاء، الساق تحمل الاوراق وتحمل السنابل وبها الحبوب.. النبات كائن حى أصدقاء الفلاح….الخ’
أما فى التدريبات فيجب على التلميذ أن يكمل : ‘النبات كائن …… , الجذر يمتص الغذاء والساق تحمل …….. و …….. الخ’ بالله عليكم أيهما سيحتفظ به الطفل الأول أم الثاني؟ أى المفاهيم أقرب إلى الطفل وأسهل فى تذكرها؟ أين العملية الإبداعية؟ ولماذا كل هذا التعقيد ولم التعجل؟ ولماذا التكديس؟؟؟ مع العلم أن منهج اللغة العربية للصف الأول الإبتدائى هو أكثر المناهج بساطة ومن أكثرهم طرافة!!
وإذا أردنا المقارنة فهناك الكثير والكثير، بل والآلاف من الأمثلة لا يتسع المجال لكتابتها وإن كان يمكن وصف أحدها فى الصف الثالث الإبتدائى ففى مادة اللغة العربية نجد الطفل – فى درس واحد فقط – يتعلم آثار بلده حيث عليه أن يحفظ أن هناك آثار بمحافظة القاهرة والأسكندرية والجيزة والصعيد ثم يحفظ ما هى الآثار الإسلامية فى القاهرة وماهى الآثار المسيحية – فى القاهرة أيضا – ثم آثار كل محافظة سابق ذكرها، مع العلم أن لكل محافظة تم ذكر ثلاثة أمثلة لآثارها بخلاف المتاحف فى محافظة القاهرة. وأخيرا لابد وأن يتعلم طفلنا المسكين المعالم الحديثة فى بلده ( وأكرر كل هذا فى درس واحد فقط) أما التدريبات فهى عبارة عن تسميع كل ما سبق فى صيغة أجب أو أكمل، بينما فى اللغة الأجنية نجد الدروس تتناول بحث الأطفال عن ‘المفاتيح’ ففى أحد الدروس نجد الطفل يلعب الكرة فينخلع حذاءه ليصطدم بسمكة يجد فيها المفتاح وهنا لا تعليق لدى عن كيفية اكتساب اللغة وجذب الطفل لدراسته وكتبه.
وعليكم أنتم أن تدركوا ما السبب فى ابتعاد أطفالنا عن لغتنا هل هى بالفعل عقدة الخواجة؟ أم هى عقدة التعليم؟
. مى يحيى الرخاوى